للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الدليل الثالث: دليل الاختصاص]

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدليل يمكن ارجاعه إلى الدليل الأول الذي هو دليل الأعراض (١).

وخلاصة هذا الدليل أن كل جسم فهو متناه، وكل متناه فله شكل معين ومقدار معين، وحيز معين، قالوا وكل ما له شكل ومقدار وحيز معين فلا بد له من مخصص يخصصه به. وشرحوا ذلك بأن كل جسم يعلم بالضرورة أنه لا يجوز أن يكون على مقدار أكبر أو أصغر مما هو عليه، أو شكل غير شكله، أو حيز غير حيزه إما متيامنا عنه أو متياسرا.

وإذا كان كذلك فلا بد له من مخصص يخصصه بما يخصص به. ثم قالوا: كل مفتقر إلى المخصص فهو محدث، وبيان ذلك أن المخصص لا بد أن يكون فاعلا مختارا، وأن يكون ما يخصصه حادثا (٢).

وغرضهم من هذا الدليل أن يقولوا: إن اختصاص الله تعالى بجهة العلو، والاستواء، وأنه مباين للعالم، يفتقر إلى مخصص، وهو محال على الله.

وقد رد عليهم شيخ الإسلام من خلال ما يلي:

١ - أن الآمدي نفسه - الذي أورد هذا الدليل - قد ضعفه فقال: "وهذا المسلك ضعيف أيضا، إذ لقائل أن يقول: المقدمة الأولى وإن كانت مسلمة غير أن المقدمة الثانية وهي أن كل مفتقر إلى المخصص محدث، ممنوعة" (٣) واحتج بجواز أن تكون الصفات متعاقبة على الجواهر والأجسام إلى غير النهاية، وقد علق شيخ الإسلام على هذا بأن هذا المسلك أضعف من مسلك الحركة والسكون، لأن هذا يفتقر إلى ما يفتقر إليه ذاك من غير عكس، ثم إن كليهما مفتقر إلى بيان امتناع حوادث متعاقبة دائمة (٤).


(١) انظر: الدرء (٧/ ١٤١).
(٢) انظر: درء التعارض (٣/ ٣٥١ - ٣٥٤).
(٣) انظر: المصدر السابق (٣/ ٣٥٤)، وانظر أيضا (٤/ ٢٦٩).
(٤) انظر: المصدر نفسه (٣/ ٣٥٤ - ٣٥٥).

<<  <   >  >>