للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مناقشة الأدلة العقلية]

[الدليل الأول: دليل الأعراض وحدوث الأجسام]

أما دليل الأعراض وحدوث الأجسام، فهو دليل فاسد وباطل، وكثير من الأشاعرة من المتقدمين كالأشعري، والمتأخرين كالرازي بينوا أن هذا الدليل لم تدع إليه الرسل وأن ثبات حدوث العالم لا يتوقف عليه.

ومن الأصول المنهجية عند المتكلمين تقديم العقل على النقل عند تعارضهما، وقد جعل المتكلمون دليل حدوث الأجسام من الأصول العقلية التي عارضت مدلول السمع، فوجب تقديمها عليه.

وخلاصة الدليل أن هؤلاء قالوا: لا يعرف صدق الرسول حتى يعرف إثبات الصانع، ولا يعرف إثبات الصانع حتى يعرف حدوث العالم، ولا يعلم حدوث العالم إلا بما به يعلم حدوث الأجسام، ثم استدلوا على حدوث الأجسام بأنها لا تخلو من الحوادث- أو بعبارة أخرى مستلزمة للأعراض أو بعضها، ثم قالوا وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، ثم إن هؤلاء احتاجوا إلى أن يقولوا: ما لم يسبق الحوادث فهو حادث، ثم منهم من تفطن إلى أن هذا لا يكفي لإثبات الصانع فاضطر أن يقول بإبطال حوادث لا أول لها (١).

فلما استقر الدليل عندهم قالت المعتزلة يجب نفي جميع الصفات عن الله تعالى لأن ما قامت به الصفات قامت به الأعراض، وما قامت به الأعراض فهو حادث، فجاءت الكلابية والأشعرية فقالوا بإثبات الصفات، وقالوا لا نسميها أعراضا. لكن الصفات الاختيارية حوادث فيجب نفيها طردا لهذا الدليل.

وقد بين شيخ الإسلام خطورة هذا الدليل وذم السلف له، فقال: "إن هذه الطريقة

هي أصل الكلام الذي ذمه السلف والأئمة وتوسعوا في الكلام في ذلك من وجهين:

أحدها: أنهم - أي أهل الكلام- جعلوا ذلك أصل الدين، حتى قالوا:

إنه لا يمكن معرفة الله وتصديق رسوله إلا بهذه الطريق. فصارت هذه الطريق أصل الدين، وقاعدة المعرفة، وأساس الإيمان عندهم، لا يحصل إيمان ولا دين ولا علم بالصانع إلا بها، وصار المحافظة على لوازمها والذي فيها أهم الأمور عندهم.

الوجه الثاني: وهو الكلام بذلك في حق الله سبحانه وتعالى فإنه كان من لوازم هذه الطريقة نفي ما جعلوه من سمات الحدوث عن الرب تعالى، فإن تنزيهه عن الحدوث ودلائله أمر معلوم بالضرورة، متفق عليه بين جميع الخلق لامتناع أن يكون صانع العالم محدثا، لكن الشأن فيما هو من سمات الحدوث، فإن في كثير من ذلك نزاعا بين الناس" (٢).


(١) انظر: شرح الأصفهانية (ص: ٢٦٤) - ت السعوي-، ودرء التعارض (١/ ٣٠٢ - ٣٠٣).
(٢) نقض التأسيس- مخطوط- (١/ ١٢٢ - ١٢٣).

<<  <   >  >>