[الدليل الثاني: دليل التركيب والتجسيم]
وأما دليل التركيب والتجسيم، فهو من أشهر أدلتهم وأكثرها دورانا في كتبهم، وقد بين شيخ الإسلام بطلان حجتهم من خلال الوجوه التالية:
١ - أن لفظ الجسم والتركيب فيه إجمال، وهذا الإجمال هو الذي أوقع هؤلاء في التخبط والاضطراب، والإجمال - وكثيرا ما يكون سببا في قول الباطل أو رد الحق.
ومن ذلك لفظ "الجسم" و"المركب" هنا، القائل: إن إثبات الصفات، أو إثبات الاستواء أو العلو أو النزول أو الوجه أو اليدين وغيرها، يلزم منه التجسيم، أو التركيب.
يقال له: ما تعني بالتجسيم أو التركيب، لأن هناك أقوالا عديدة في كل منهما:
فالجسم فيه أقوال:
- في اللغة هو البدن والجسد.
- وعند أهل الكلام: قيل: هو المركب من الجوهر الفرد، إما جوهران أو أربعة، أو ستة، أو ثمانية، أو ستة عشر، أو اثنان وثلاثون.
- وقيل: هو المركب من المادة والصورة، كما تقوله الفلاسفة.
- وقيل: هو الموجود أو القائم بنفسه، أو ما يمكن أن يشار إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر الأقوال في الجسم: "إذا قال القائل: إن الباري تعالى جسم. قيل له: أتريد أنه مركب من الأجزاء كالذي كان متفرقا فركب؟ أو أنه يقبل التفريق، سواء قيل: اجتمع بنفسه، أو جمعه غيره؟ أو أنه من جنس شيء من المخلوقات؟ أو أنه مركب من المادة والصورة؟ أو من الجواهر المنفردة؟
فإن قال هذا. قيل: هذا باطل.
وإن قال: أريد به أنه موجود أو قائم بنفسه. أو أنه موصوف بالصفات، أو أنه يرى في الآخرة، أو أنه يمكن رؤيته، أو أنه مباين للعالم، فوقه، ونحو هذه المعاني الثابتة بالشرع والعقل.
قيل له: هذه معان صحيحة، ولكن اطلاق هذا اللفظ على هذا بدعة في الشرع، مخالف للغة، فاللفظ إذا حمل المعنى الحق والباطل لم يطلق، بل يجب أن يكون اللفظ مثبتا للحق نافيا للباطل.