للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والقائلون بقول الطائفة الأولى والثانية، تنازعوا في بعض مقدمات دليلهم:

* ففي المقدمة الأولى وهي: أن الجسم لا يخلو عن الحوادث، اختلفوا فيها:

ففريق: منهم قال: الجسم لا يخلو من الحركة والسكون، وهما حادثان (١).

وفريق: قال: إن الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق، وهما حادثان، وهذا القول مبني على القول بالجوهر الفرد الذي يقوم على أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة- من جوهرين فأكثر- فالجواهر إما مجتمعة أو متفرقة. ومن لم يقل بالجوهر الفرد لا يلزمه هذا الدليل.

والطائفة الثانية: قالت- موافقة على المقدمة الأولى-: إن الجسم لا يخلو من كل جنس من أجناس الأعراض، فخالفوا أقوال الطائفة الأولى لأن كل فريق ألزم الجسم أنواعا محددة من الأعراض، وكذا قولهم- وهي المقدمة الثانية للطائفة الثانية- إن العرض لا يبقى زمانين، كثير من العقلاء قالوا: إن هذا باطل ضرورة.

* وفي المقدمة الثانية وهي قولهم: ما لم يخل من الحوادث فهو حادث.

فقد تنوعت عباراتهم فيها:

فتارة: يقولون: ما لم يخل من الحوادث لم يسبقها، وما لم يسبق الحوادث فهو حادث.

وتارة: يقولون: ما لم يسبق الحوادث- أو ما لم يخل منها- لا يكون الا معها أو بعدها، وما لا يكون الا مع الحوادث أو بعدها فهو حادث.

ثم بعض هؤلاء: لا يقرر هذه المقدمة بناء على ظهورها لأنهم يفهمون من "الحوادث" أن جملتها حادثة بعد أن لم تكن.

وفريق منهم: انتبه إلى أن الدليل لم يستكمل بعد، لأن ما ذكروه من الدليل لم يدل إلا على أن الأجسام مقارنة لجنس الحوادث، لا تكون إلا ومعها حادث، فإذا قدر أن الحوادث دائمة، توجد شيئا بعد شيء دائما لم يلزم أن يكون ما لم يسبقها حادثا. فلهذا صار كثير منهم يحتاجون إلى بيان امتناع حوادث لا أول لها (٢).


(١) انظر: الأربعين (ص: ١٣).
(٢) انظر: فيما سبق شرح الأصفهانية (ص: ٢٦٤ - ٢٦٧) - ت السعوي- مطبوع على الآلة الكاتبة. ودرء التعارض (١/ ٣٠٢ - ٣٠٣)، ونقض التأسيس- مطبوع- (١/ ١٤١ - ١٤٤).

<<  <   >  >>