للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أيّ يومٍ مضى لنا في رياضٍ ... عرّست في عراصها الأمطارُ

كلّ شيء أكنّ كانون فيها ... لم يذره حتّى بدا آذارُ

أقحوان غضٌّ وورد نضير ... وشقيق قانٍ بها وبهارُ

وبها للغصونِ رقص إذا ما ... أنشدت في جنوبها الأطيارُ

وقال أيضاً:

شقّ الصباحُ غلالةَ الظلماء ... وانحلَّ عقد كواكب الجوزاءِ

وتكللت تيجان أزهار الرّبى ... بغرائب من لؤلؤ الأنواءِ

وجرى النسيم فجرّ فضل ردائه ... متحرشاً بمساقط الأنداءِ

وعلا الحمام على منابر أيكه ... يبدي فصاحة ألسنِ الخطباءِ

ودعا وقد رقّ الهواءُ منمّقُ ال ... سربال طابت زهرة الصهباءِ

وقال آخر:

لله أيامي به وكؤوسنا ... تكسو بأردية الطّلى وجه الطّلا

في روضةٍ تبدي البنفسج أوطفاً ... والورد أحمر والشقائق أكحلا

وتريك خدّ الجلّنار ملثّماً ... مرأى وثغر الأقحوان مقبّلا

وتثير أنفاس الشمائل عنبراً ... وتدير أكواس الجداول سلسلا

وقال يعقوب بن محمد المزيدي:

تأمّل ثغور النور في نفس الظلّ ... وقبِّل خدودَ الوردِ في عرق الطلّ

وعانق إذا ما ماس في خطوة الصبا ... قوام القضيب اللدن في زرد الوبلِ

وخذ من غصون الجلّنار كؤوسه ... فقد أصبحت تسخو بهنّ على بخلِ

على شجو طيرٍ أطرب النهر شجوه ... فقد قميصَ النبتِ للوجد من قبلِ

وقال ابن التعاويذي:

يا صاح قم فوجوه اللهو سافرةٌ ... وناظم الهمّ بالأفراحِ قد طرفا

أما ترى الأرض في حلي الرياض وقد ... أهدتْ لطرفك من أزهارها طرفا

كسا الربيعُ ثراها من خمائله ... ريطاً وألقى على كثبانها قطفا

والغيمُ باكٍ وثغر النور مبتسم ... وطائر البان في الأغصان قد هتفا

والغصن ريانُ لدنُ العطفِ قد عقدتْ ... لآلئُ الطلِّ في أوراقه شنفا

فانهض إلى الراح واعذر في الغرام بها ... لا تُلحِ من باتَ مشغوفاً بها كلفا

وقال أيضاً:

للهِ زورته وقد ... مالت إلى الغربِ النجومُ

والروضُ يصقلهُ الندى ... وهناً ويوقظه النسيمُ

وقد انتشى خوطُ الأرا ... كةِ والحمامُ له نديمُ

والزهر يضحك في خما ... ئلهِ إذا بكتِ الغيومُ

وقال أيضاً:

لاوجدتمْ يا أهلَ نعمانَ وجدي ... وسلمتمْ سلامةَ العهدِ عندي

وسقى دارةَ الحمى كلّ منهلِّ ال ... غوادي سقيا دموعي لخدِّي

واكتست من خمائل النو ... ر أفوافاً ينير الربيع فيها ويسدي

سافراتٍ رياضُها عن ثغورٍ ... وخدودٍ من أقحوان ووردِ

وتمشت بها سحائبُ وطفٌ ... تتهادى ما بين برق ورعدِ

وصبا تلبس الغدير إذا البر ... ق نضا بيضهُ مفاضةَ سردِ

حبَّذا والنسيم يبعث أنفاساً ... ضعافاً من نفح ضالٍ ورندِ

ناقلاً عن ذوائب الزهر السب ... ط حديثاً إلى ثراها الجعدِ

وقال أيضاً:

حباكَ ربيعٌ من فصاحٍ أعاجمِ ... بأخضرَ ميادٍ من البانِ ناعمِ

وطرتنَّ في خضراءَ مونقةِ الثرى ... قريبةِ عهدٍ بالعهاد الروازمِ

لقد هاجَ لي تغريدُ كنَّ عشيةً ... لواعجَ شوقٍ من هوًى متقادمِ

وتذكارَ أيامٍ قصارٍ تصرَّمت ... كما اكتحلت بالطيف أجفانُ حالمِ

نعم واكتسى مغناكِ يا دارةَ الحمى ... ملابس من وشي الرياض النواجمِ

إذا أسبلت فيها الغوادي دموعها ... حكت ثغر مفترٍّ عن النورِ باسمِ

وقال محيي الدين، رحمه الله، من قصيدة ذكر فيها الربيع وأنا أذكرها جمعاء لأن لها حظاً من الاستحسان:

هنيئاً لقد أعطتك أيامك المنى ... وناجاك بالوصلِ الحبيبُ فأعلنا

فلا تبغِ في ذاك التستر لذةً ... وبحْ باسمِ من تهوى وذرني من الكنى

ألستَ ترى أرضَ الحمى حلّها الحيا ... فحلّى رباها بالنباتِ وزيّنا

جلاها على أبصارِنا فانجلتْ لنا ... وقد كُسيتْ زهرَ الرياضِ ملوّنا

معاني من نظم الربيع دقيقةٌ ... يُرى فضل هذا الفضل فيهنّ بيّنا

حلا العيش فيها فاملأ الكأس مرةً ... يطوف بها مستعذب اللفظ والجنى

<<  <   >  >>