للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرت على ألسنتهم لفوات ما فوتوا من برد اليقين، ورسوخ الاعتقاد، استعاضوا عنه بقيل وقال، كما هو ظاهر في كلام الرازي:

نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال

وكذلك قول أبي المعالي الجويني: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أنه يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به". وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني، وهاأنذا أموت على عقيدة أمي. أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور". ١

ويظهر لنا من ذلك كله عظيم نصح أئمة الإسلام حين نهوا عن الكلام وحذروا منه، فهذا أبو يوسف رحمه الله يقول: "من طلب العلم بالكلام تزندق" ٢. وقال الشافعي رحمه الله: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في الأسواق، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام" ٣.

وقال الإمام أحمد: "لا يفلح صاحب الكلام" ٤. وقال: "لا يكاد أحد نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل" ٥. وغيرهم كثير.


١ شرح العقيدة الطحاوية ٢٠٨.
٢ انظر الإبانة لابن بطة ٢/٥٣٨.
٣ انظر قول الشافعي في شرف أصحاب الحديث للخطيب ص١٦٨، الذهبي في السير ١٠/٢٩.
٤ الإبانة الكبرى لابن بطة ٢/٥٣٩.
٥ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢/٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>