للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف المتكلمين من الشرك:

كما سبق أن ذكرنا أن موقف المتكلمين من توحيد الألوهية هو الإهمال والإعراض، فذلك موقفهم من الشرك أيضاً، فلا تجد في كتبهم ذكراً للشرك في الألوهية بدعاء غير الله أو الاستغاثة به أو الطواف بالقبور أو اللجوء لأصحابها والذبح أو النذر عندها، إلى غير ذلك من أنواع الشرك التي حذر الله منها، وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها ومن الطرق الموصلة إليها، فكان في ذلك وقاية وحماية للمسلمين من الوقوع في هذا الانحراف، إلى أن جاء المتكلمون فأهملوا بيان توحيد الألوهية، كما أهملوا التحذير من ضده وهو الشرك، فجهل المسلمون توحيد الألوهية ووقعوا في ضده وهو الشرك، حتى صار لدى كثير من المسلمين في بلدانهم قبوراً أوثاناً يعكفون عندها، ويدعون عندها وينذرون ويذبحون لها، وهم يظنون أن ذلك قربة إلى الله عز وجل، وأن هؤلاء الموتى واسطة شرعية ووسيلة مقبولة عند الله عز وجل.

وما ذلك إلا لإعراض المتكلمين عن بيان الشرك والتحذير منه. مما جعل المسلمين يجهلونه فيقعون فيه، ظناً منهم أن ذلك ليس شركاً، وأن الشرك إنما هو في اعتقاد أن خالقاً مع الله أوجد هذا الكون كما أوعز إلى ذلك المتكلمون بتركيزهم على إثبات الوحدانية في الذات، والوحدانية في الأفعال.

أما الوحدانية في العبادة فقد أهملوها، ولم يذكروها، فصار المسلم يظن أن لا شرك فيها، مع أن الشرك الذي حذر منه الله عز وجل إنما كان في هذا النوع، وهو بلية بني آدم ومصيبتهم التي حذرهم منها رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>