للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتباين فيما بينها وبين صفات المخلوق ولا تتماثل، وأن صفاته جل وعلا تليق بذاته العلية.

٣ - أن التماثل في الأسماء لا يلزم منه التماثل في المسميات.

وذلك أن الله تعالى قد وصف نفسه بصفات وصف بها المخلوقين وجعلها من صفاتهم, مثل السمع والبصر والعلم والحلم ونحو ذلك, ولكن لا يلزم من هذا التماثل في الأسماء التماثل في المسميات. وهذا ظاهر يدل عليه أن في الجنة عسلاً وخمراً ولبناً وماءً, وفي الدنيا مثل ذلك، ولكن خمر الدنيا وعسلها ولبنها وماءها يختلف عن خمر الآخرة ولبنها وعسلها ومائها, بل قال ابن عباس: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء" ١. فإذاً كان هذا في المخلوقات فلا شك أن عدم التماثل بين الخالق والمخلوق أعظم وأكبر.

٤ - أن كل موصوفين بصفة بينهما قدر مشترك من الصفة،فمثلاً الإنسان موصوف بالبصر والنملة والفيل موصوف بالبصر, فبينهما قدر مشترك من أجله وصف كل منهم بالبصر.

ولله المثل الأعلى فالله تبارك وتعالى موصوف بالقدرة والإنسان موصوف بالقدرة فهناك قدر مشترك من أجله صح وصف الإنسان بذلك, وإلا لما صح اتصافه به, إلا أن قدرة الخالق تليق بكماله وجلاله وعظمته, والمخلوق قدرته وسائر صفاته تليق به, وليس في هذا شيء من التمثيل أو التشبيه, لأن التماثل والتشابه إنما يصح لو كان هناك تماثل وتشابه في مقدارالصفة وهيئتها, فإذا لم يكن هناك تشابه في هذا, فالقدر المشترك الذي من أجله صح الوصف بالصفة

لا يلزم منه تشابه ولا تماثل, إنما يفيد فقط صحة الوصف بالصفة.


١ ذكره ابن جرير الطبري ١/٣٩١-٣٩٢ في تفسير قول الله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة٢٥] , وانظر: الدر المنثور ١/٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>