للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والوجادة١. تسري هذه القواعد التي تكفك كتب مصطلح الحديث فيما بعد بتفصيلها وبيان شرائطها.

كان هذا كله مقرونًا بالحرص على الضبط والتصحيح، يقول ابن خلدون٢ "٧٣٢-٨٠٨":

"وكانت هذه الرسوم بالمشرق والأندلس معبدة الطرق واضحة المسالك. ولهذا نجد الدواوين المنتسخة لذلك العهد في أقطارهم على غاية من الإتقان والإحكام والصحة، ومنها لهذا العهد بأيدي الناس في العالم أصول عتيقة تشهد ببلوغ الغاية لهم في ذلك، وأهل الآفاق يتناقلونها إلى الآن ويشدون عليها يد الضنانة. ولقد ذهبت هذه الرسوم لهذا العهد جملة بالمغرب وأهله لانقطاع صناعة الخط والضبط والرواية، بانتقاص عمرانه وبداوة أهله، وصارت الأمهات والدواوين تنسخ بالخطوط اليدوية، وتنسخها طلبة البربر صحائف مستعجمة برداءة الخط، وكثرة الفساد والتصحيف".

ثم يقول: "ويبلغنا لهذا العهد أن صناعة الرواية قائمة بالمشرق، وتصحيح الدواوين لمن يروم ذلك سهل على مبتغيه، لنفاق أسواق العلوم والصنائع كما نذكره بعد. إلا أن الخط الذي بقي من الإجادة في الانتساخ هنالك إنما هو للنجم وفي خطوطهم وأما النسخ بمصر ففسد كما فسد بالمغرب وأشد".

وهذا التسجيل يوضح ما كانت عليه الكتب إلى القرن الثامن الهجري، من الإسناد والضبط والتصحيح.


١ الوجادة: أن يجد حديثا أو كتابا بخط شخص بإسناده، فله أن يرويه على سبيل الحكاية فيقول: وجدت بخط فلان، ويسنده. ولا تعد الوجادة رواية معتمدة، وإنما هي حكاية عما وجده في الكتاب. والعمل بها منعه طائفة كبيرة من الفقهاء والمحدثين، ونقل عن الشافعي وأصحابه جواز العمل بها. قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به. قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، لتعذر شرط الرواية في هذا الزمان. يعني فلم يبق إلا مجرد وجادات. انظر الباعث الحثيث ص ١٤٢.
٢ المقدمة ص٣٦٨.

<<  <   >  >>