هذه هي الطبعة الثانية من "تحقيق النصوص ونشرها" أقدمها مغتبطًا بها وبما كان لسابقتها من صدى متواضع في أرضنا العربية بله بلاد المستشرقين الذين كتبوا إلى مهنئين، وإن كان بعض إخواننا الدمشقيين ممن كنا نتوسم فيه النجابة -زعم بضعف نفسه، وبما يشعر به أمثاله من ذلة علمية، أني لم أطلع على ما كتب المستشرقون، فوضع بذلك على هامتي إكليلا أعتز به، إذ أمكنني بعون الله وحده أن أضع علما متكاملا لم أسبق إليه، دون أن أتطفل على مائدة كثيرا ما وضع فيها للعرب صحافة مسمومة، وموائد أسلافنا العرب حافلة بالجهود الوثيقة، والأمانة العلمية المرموقة.
فمن تجارب هؤلاء العرب الأمناء في هذا المجال الأمين، ومن تجاربي الخاصة التي حاولت فيها ترسم خطاهم الطاهرة، زهاء أربعين عاما، ومما رأيت وسمعت في انتباه ويقظة، أمكنني في هذا المجال الذي حافظ على القرآن الكريم وهو ما هو، وأحاديث الرسول وهي ما هي، أن أتخلص من إسار سادة هؤلاء الضعفاء، الذين لا يضعون قدما على قدم حتى تصدر إليهم إشارة بإصبع من زعماء هذا الاستعمار الثقافي.
إن المستشرقين إخواننا وشركاؤنا، ولكن ليس من الحكمة ولا الكرامة في شيء أن تكون خطانا متأثرة بخطاهم في كل أمر من أمورنا الثقافية، وأن نستعير عقولهم في صغار الأذلاء، وقد منحنا الله القدرة وحسن الفهم والدرس لما كتب بلغننا وبوحي نفوسنا العربية.
وإن أعجب فإنه ليشتد عجبي ممن يتغنى بفضل سادته هؤلاء، وينكر فضل أخيه العربي، ثم يزعم لنفسه كتابا يستخلص مادته وألفاظه وتنسيقه من كتابي هذا!