ومعناه أن يؤدي الكتاب أداءً صادقًا كما وضعه مؤلفه كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمس للأسلوب النازل أسلوبًا هو أعلى منه، أو نحل كلمة صحيحة محل أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل، أو أوفق، أو ينسب صاحب الكتاب نصا من النصوص إلى قائل وهو مخطئ في هذه النسبة فيبدل المحقق ذلك الخطأ ويحل محله الصواب أو أن يخطئ في عبارة خطأ نحويا دقيقا فيصحح خطأه في ذلك، أو أن يوجز عبارته إيجازا مخلا فيبسط المحقق عبارته بما يدفع الإخلال.
ليس محققا المتن تحسينا أو تصحيحا، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإن متن الكتاب حكم على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخيه لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف عدوان على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير.
وإذا كان موسوما بصفة الجرأة فأجدر به أن يتنحى عن مثل هذا العمل، وليدعه لغيره ممن هو موسوم بالإشفاق والحذر.
إن التحقيق نتاج خلقي، لا يقوى عليه إلا من وهب خلتين شديدتين: الأمانة والصبر، وهما ماهما!!