قال: ووقف أبو جعفر على كثرة القراطيس في خزائنه، فدعا بصالح صاحب المصلى فقال له: إني أمرت بإخراج حاصل القراطيس في خزائننا فوجدته شيئًا كثيرًا جدًّا، فتول بيعه وإن تعط بكل طومار إلا دانقًا -الدانق سدس الدرهم فإن تحصيل ثمنه أصلح منه.
قال صالح: وكان الطومار في ذلك الوقت بدرهم. فانصرفت من خضرته على هذا، فلما كان في الغد دعاني فدخلت عليه فقال لي: فكرت في كتبنا وأنها قد جرت في القراطيس، وليس يؤمن حادث بمصر فتقطع القراطيس عنا بسببه، فنحتاج إلى أن نكتب فيما لم نعوده عمالنا، فدع القراطيس استظهارا على حالها.
ويعين ابن النديم فترة من الزمن في أيام الدولة العباسية كانت الناس فيها ببغداد لا يكتمون إلا في الطروس -والطرس في اللغة: الصحيفة تمحى ثم تكتب- وهذه الفترة هي سنون تلت نهب الناس للدواوين في أيام محمد بن زبيدة، وكانت الدواوين في جلود فكانت تمحى ثم يكتب فيها.
والظاهر أن العرب كانوا يكتبون في كل من الجلود والأوراق في عهد الدولة الأموية، وصدر صالح من عهد الدولة العباسية، وأن الورق لم يستعمل بكثرة ظاهرة إلا منذ أشار الفضل بن يحيى البرمكي بصناعة الكاغد.
ومن النصوص النادرة ما وجدنه في ترجمة الشافعي، في سير النبلاء للذهبي، أنه كان يكتب في الألواح والعظام.
ويذكر القلقشندي١ تعليلا للكتابة في الجلود، وهو قوله: "أجمع رأي الصحابة على كتابة القرآن في الرق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ،