والذي نبه العلماء إلى ذلك دراستهم للكتاب، وتأديهم إلى أن مثل هذا التأليف لا يصح أن ينسب إلى رجل قارب الغاية في الفضل مثل الخليل.
فمعرفة القدر العلمي لمؤلف مما يسعف في التحقيق ينسبه الكتاب.
على أن بعض المؤلفين تتفاوت أقدارهم العلمية وتختلف اختلافا ظاهرا بتفاوت أعمارهم، وباختلاف ضروب التأليف التي يعالجونها، فنجد المؤلف الواحد يكتب في صدر شبابه كتابا ضعيفا، فإذا علت به السن وجدت بونا شاسعا بين يوميه. وهو كذلك يكتب في فن من الفنون قويا متقنا، على حين يكتب في غيره وهو من الضعف على حال. فلا يصح أن يجعل هذا القياس حاسما باطراد، في تصحيح نسبة الكتاب.
وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح الكتاب وتزييفها، فالكتاب الذي تحشد فيه أخبار تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نسب إليه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف، ومن أمثلة ذلك كتاب نسب إلى الجاحظ، وعنوانه "كتاب تنبيه الملوك والمكايد"، ومنه صورة مودعة بدار الكتب المصرية برقم ٢٣٤٥ أدب. وهذا الكتاب زيف لا ريب في ذلك؛ فإنك تجد من أبوابه باب "نكت من مكايد كافور الإخشيدي" و"مكيدة توزون بالمتقي الله". وكافور الإخشيدي كان يحيا بين سنتي ٢٩٢ و٣٥٧ والمتقي لله كان يحيا سنتي ٢٩٧ و٣٥٧. فهذا كله تاريخ بعد وفاة الجاحظ بعشرات من السنين. وأعجب من ذلك مقدمة الكتاب التي لا يصح أن ينتمي إلى قلم الجاحظ وهذا صدرها: "الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابا، وفتح للعبد إذا وافا "وافي" إليه بابا، وقسم بين خليفته فطور وأطوارا وتحزبوا أحزابا وأنفذ فيهم سهمه وأمضى فيهم حكمه وجعل لكل شيء أسبابا، فهم دائرون