٣١٠- قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخ المالكية في أول رسالته المشهورة في مذهب مالك الإمام:
"وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه"١.
وقد تقدم مثل هذه العبارة عن أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وعثمان بن سعيد الدارمي، وكذلك أطلقها يحيى بن عمار واعظ سجستان في رسالته، والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب "الإبانة" له، فإنه قال:
"وأئمتنا كالثوري ومالك والحمادين وابن عيينة وابن المبارك والفضيل وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان".
وكذلك أطلقها ابن عبد البر كما سيأتي، وكذا عبارة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، فإنه قال:
وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه، وكذا قال أبو الحسن الكرجي الشافعي في تلك القصيدة:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين بن الصلاح: هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث.
وكذا أطلق هذه اللفظة أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ، والشيخ عبد القادر الجيلي، والمفتي عبد العزيز القحيطي وطائفة. والله تعالى خالق كل شيء بذاته، ومدبر الخلائق بذاته، بلا معين، ولا موازر.
وإنما أراد ابن أبي زيد وغيره التفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال: ومعنا بالعلم، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقد تلفظ بالكلمة المذكورة جماعة من
١ الرسالة "ص٢٠" طبع المغرب، وذكر مثله في "مختصر المدونة" له كما في "الجيوش الإسلامية" "ص٥٤" وفيه رد على من أنكر ثبوت لفظ "بذاته" في كتابه الأول -مثل الكوثري-.