للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود".

صدق والله، إن من تأول سائر الصفات، وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام، أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، وأن يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زياد أنه قال:

"مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سعف؟ قالوا: لا، قيل: فلها كرب١؟ قالوا: لا، قيل: لها رطب وقنو٢ قالوا: لا. قيل: فلها ساق؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة".

قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا: إلهنا الله تعالى، وهو لا في زمان ولا في مكان، ولا يُرى، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يرضى، ولا يغضب، ولا يريد، ولا، ولا ... وقالوا: سبحان المنزع عن الصفات! بل نقول: سبحان الله "العلي" العظيم السميع البصير، المريد، الذي كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، ويرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، المنزه عن سمات المخلوقين، وعن جحد الجاحدين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

ولقد كان أبو عمر ابن عبد البر من بحور العلم، ومن أئمة الأثر، قل أن ترى العيون مثله، وكان عالي الإسناد، لقي أصحاب ابن الأعرابي وإسماعيل الصفار، وروى المصنفات الكبار، واشتهر فضله في الأقطار. مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن ست وتسعين سنة.

١٥٢- القاضي أبو يعلى "٣٨٠-٤٥٨"

٣٢٩- قال عالم العراق أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي


١ في القاموس: الكرب: أصول السعف الغلاظ العراض.
٢ القنو: العذق: وهو من النخل كالعنقود من العنب.

<<  <   >  >>