"لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله عز وجل، لا تشبه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق".
قال:"ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق، لما فيه من إزالة التشبيه". يعني على زعم من قال: إن ظاهرها تشبيه.
قلت: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة، ما علمت أحداً سبقهم بها. قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم. وكما قال سفيان وغيره١: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغي لها مضايق التأويل والتحريف. وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له، لا في ذاته، ولا في صفاته.
الثاني: أن ظاهرها [هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة، كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد، فإن الله تعالى فرد صمد، ليس له نظير، وإن تعددت صفاته فإنها حق، ولكن ما لها مثل ولا نظير، فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا؟ ومن ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف سمع كلامه؟ والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا، وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها بارئها، وكيف يرسلها، وكيف تستقل بعد الموت؟ وكيف حياة
١ لم يتقدم هذا عن سفيان، وإنما عن أبي زرعة الرازي نحوه، نعم سيأتي في ترجمة أبي القاسم التيمي عن ابن عيينة.