صفة العلم كما يقوله بعض المعتزلة, وإن كان كثيرون منهم ينكرون جميع صفات الذات لله تبارك وتعالى كما نقلناه عنهم فيما سبق؟
بلى إنه يكفيك هذا وإلا فما الفرق بين تفسيرنا تبعا للسلف لهذه الصفات على ظاهرها مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا المتصف بها سبحانه وتعالى, وبين إنكارك الاستواء مثلا وإيمانك -فيما أظن بتفسيرنا لسائر الصفات ككونه حيا قديرا مريدا حكيما ... إلخ صفاته تعالى تفسيرا لها على ظاهرها دون تأويل أيضا مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا الله؟
الذي أعتقده وأقطع به: أن كل عاقل من أهل العلم لا بد من أن يسلم بأنه لا فرق بين هذا وهذا أبدا, إذ الكل يعود إلى صفات ذات الله تعالى, فكما أننا نؤمن بذاته تعالى دون أن نعلم كنهها وحقيقتها, فكذلك القول في صفاته سبحانه ولا فرق, وإذا كان الأمر كذلك فإما أن يؤمن الشيخ معنا بحقائق الصفات ومنها الاستواء على ما شرحنا وإما أن يتأولها كلها, وبذلك يُلزم بإنكار وجود الله تعالى لأنه لا يعرف حقيقته, وكل ما لا يعرف حقيقته كالاستواء فهو يتأوله!!! وهذا ما وقع فيه الباطنية وكثير من الفلاسفة وقارب ذلك المعتزلة ومن تأثر بهم من علماء الكلام كما فصل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتبه الكثيرة, جزاه الله عن الإسلام خيرا.
وهنا يطيب لي بهذه المناسبة أن أنقل من بعض المخطوطات فصلا رائعا من كلام بعض علماء السلف مما لم يطبع حتى الآن فيما علمت وهو للخطيب البغدادي الحافظ المؤرخ المشهور, وقد ذكر المصنف طرفا منه في ترجمته كما يأتي, فرأيت أن أذكره هنا بنصه, إتماما للحجة على الخلف الذين يتوهم الكثير منهم, أن القول بوجوب الإيمان بحقائق الصفات ومعانيها كما يليق بالله تعالى هو مذهب تفرد به ابن تيمية ومن اقتدوا به فيها, ولم يعلموا أنه رحمه الله تابع لهم في ذلك, وإنما فضله في بيانه وشرحه له وإقامة الأدلة عليه بالمنقول والمعقول, ودفع الشبهات عنه, وإلا فهو سلفي المعتقد, وهو الواجب على كل مسلم, ولذلك