في مقدمتها: علوم السنة التي هي في حقيقتها بيان للكتاب وتطبيق رشيد لتوجيهاته.
ثم أخذ العلماء يستنبطون بفقههم الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، فظهر علم الفقه بميادينه الواسعة، ودراساته المتشعبة.
كما تدبر العلماء كتاب الله، فاستنبطوا أصول العقيدة ودونوها مقارنة بأفكار البشر حول الحياة والمصير، وظهر علم العقيدة أو علم الكلام.
واجتهد العلماء في تفسير الكتاب العزيز، وبيان مقاصده فظهر علم التفسير.
ووجد العلماء أن من اللازم أن يتعرفوا أحوال الرسول الخاتم الذي تلقى الكتاب وعمل به ونفذ الشريعة، وكذلك العلماء الراشدون الذين ساروا سيرته، فظهرت علوم السير والتاريخ.
بل إنه في رحاب القرآن الكريم ظهرت ودونت علوم اللسان من نحو وصرف، وفقه لغة وبلاغة، ونتاج أدبي من الشعر والنثر.
وتوالى العلماء وكثرت المؤلفات، حتى إننا نعد التراث الإسلامي في هذه العلوم التي ذكرناها، وغيرها من العلوم التجريبية والإنسانية كالطب والفلك والجبر والفيزياء, أعظم تراث عرفه البشر.
وأما عن المكتبة الأولى في الإسلام، فكانت في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يضم صفحات المصحف التي هي مرجع المسلمين في كل أمورهم.
وسار بعض الصحابة على هذا الطريق، فاقتنوا صفحات من المصحف، أو كانت لهم مصاحف مثل مصحف عائشة ومصحف ابن مسعود وغيرهما. غير أن هذه المصاحف انتهى أمرها في عهد عثمان رضي الله عنه ليجنب المسلمين أمر الاختلاف في قراءة الكتاب العزيز, وجمعهم على المصحف الإمام١.
ونستطيع أن نقول: إن المساجد كانت النواة الأولى للمكتبة الإسلامية؛ إذ كان
١ انظر: كتابنا في علوم القراءات, مدخل ودراسة وتحقيق.