١- "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة": هذا مما تكاثرت النصوص بمعناه. وخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته". وخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من ستر على المؤمن عورته ستره الله يوم القيامة". وقد رُوي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عن عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم، أو كما قال. وشاهد هذا الحديث حديث أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" خرجه الإمام أحمد وأبو داود. وخرج الترمذي معناه من حديث ابن عمر. واعلم أن الناس على ضربين: أحدهما: من كان مستورًا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة أو زلة؛ فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غيبة محرمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن فيما وقع منه واتهم به مما هو بريء منه كما في قضية الإفك. قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقر بحده لم يفسروه ولم يستفسر؛ بل يؤمر أن يرجع ويستر نفسه، كما أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ماعزًا والغامدية، وكما لم يستفسر الذي قال: "أصبت حدًّا فأقمه عليَّ". ومثل هذا لو أوخذ بجريمته ولم يبلغ الإمام فإنه يشفع له ما لا يبلغ الإمام. وفي مثله جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" خرَّجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة. والثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي معلنًا بها ولا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له هذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة، كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود. وصرح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ ولو لم يبلغ السلطان؛ بل يترك حتى يقام عليه الحد؛ ليكشف ستره ويرتدع به أمثاله. قال مالك: من لم =