للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ محمد بن وساع وَأَبِي سَوْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عن


= يعرف منه أذى للناس، وإنما كانت منه زلة، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام. وأما من عرف بشر أو فساد فلا أحب أن يشفع له أحد؛ ولكن يترك حتى يقام عليه الحد، حكاه ابن المنذر وغيره.
وكره الإمام أحمد رفع الفساق إلى السلطان بكل حال، وإنما كرهه لأنهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجوهها؛ ولهذا قال: إن علمت أنه يقيم عليه الحد فارفعه، ثم ذكر أنهم ضربوا رجلًا فمات؛ يعني: أنه لم يكن قتله جائزًا، ولو تاب أحد من الضرب الأول كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ويستر على نفسه. وأما الضرب الثاني فقيل إنه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام ويقر على نفسه بما يوجب الحد حتى يظهره.
٢- "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة":
هذا يرجع إلى أن الجزاء من جنس العمل، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، وقوله: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا". والكُرْبَة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أن يخفف عنه منها، مأخوذ من تنفس الخناق كأنه يرخى له الخناق حتى يأخذ نفسًا، والتفريج أعظم من ذلك، وهو أن يزيل عنه الكربة فتفرج عنه كربته ويزول همه وغمه، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج التفريج، كما في حديث ابن عمر، وقد جمع بينهما في حديث كعب بن عجرة.
وخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنًا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الجنة". وخرجه الإمام أحمد بالشك في رفعه، وقيل: إن الصحيح رفعه.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود قال: "يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه لله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه الله، من عفى لله أعفاه الله".
وخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعًا: "أن رجلًا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل من أهل النار: يا فلان، هل تعرفني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت به في دار الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع لي بها عند ربك، قال: فيسأل الله تعالى فيقول: شفعني فيه فيأمر به فيخرجه من النار".
وقوله: "كربة من كرب يوم القيامة" ولم يقل: من كرب الدنيا والآخرة كما قيل في التيسير والستر. وقد قيل في مناسبة ذلك: إن الكرب هي الشدائد العظيمة، وليس كل أحد يحصل له ذلك في الدنيا، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة إلى الستر، فإن أحدًا لا يكاد يخلو من ذلك ولو بتعسر الحاجات المهمة. وقيل: لأن كرب الدنيا بالنسبة إلى كرب الآخرة كلا شيء، فادخر الله جزاء تنفيس الكرب عنده لينفس به كرب الآخرة. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم =

<<  <   >  >>