للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخذ الحطب ونحوه من دارنا، وذلك؛ لأن المسامحة تغلب في ذلك، وبناء على ما تقدم، فإن ما يقع من إرسال الصبيان للإتيان بماء، أو حطب يكون مملوكًا للمرسل حيث كان له ولاية عليهم بجواز استخدامه لهم في مثل ذلك -فإن لم يرسله أحد، أو أرسله غير وليه المذكور، فالملك في هذه الحالة للصبي، فيحرم على الغير أخذه منه، ولو كان والدًا لهذا الصبي إلا إذا رأى المصلحة في أخذه وصرفه، أو بذله على الصبي.

فلو رده إلى محله، فالأوجه عدم حرمة تضييعه عليه، بخلاف رمي المال، فإنه يضيع، والفرق بينهما أن رمي المال يعد ضياعًا له بخلاف الماء، فإنه يتمكن من أخذه منه، وإن لم يكن عين، وأيضا فإن السمك يخالف الماء، فيحرم إلقاؤه بعد اصطياده وذلك؛ لأن رد السمك إلى الماء يعد تضيعا له لعدم تيسر أخذه كل وقت بخلاف الماء.

الثاني الماء غير المباح: وهو الذي ينبع في أرض مملوكة، أو موات بقصد التملك، فصاحب الأرض لحق به من غيره؛ لأنه يملكه وهذا هو المنصوص عليه، وقيل: لا يملكه إلا أنه لا يجوز لغيره أن يدخل إلى ملكه بغير إذنه، فكان أحق به هذا إذا لم يفضل عن حاجته، فإن فضل عن حاجته، واحتاج إليه غيره لزمه بذله من غير عوض بأن احتاجت إليه الماشية التي ترعى الكلأ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، منعه الله فضل رحمته يوم القيامة" ١، فإن الماشية إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع الماء، فقد ضيع من الكلأ، وهذا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. والمراد من الماشية الحيوانات المحترمة.


١ رواه الشافعي، عن مالك بن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، وهو متفق عليه بلفظ: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ" "التلخيص ج٣ ص٦٦".

<<  <   >  >>