للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالحياة الوصية؛ لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول، وهو بعد الموت.

وخرج بقوله: بلا عرض ما فيه عوض كالبيع ولو بلفظ الهبة؛ لأن اللفظ لا يقتضيه، هذا إن لم تقيد بثواب، فإن قيدت به، فإن كان مجهولًا كثوب فباطلة لتعذر تصحيحها بيعا لجهالة العوض ولا تصح هبة؛ لأن لفظها لا يقتضيه كما علم، فيكون المقبوض بها في هذه الحالة مقبوض بالشراء الفاسد، فيضمن ضمان المغصوب، وإن كان معلوما فهي بيع نظرا للمعنى، فيجري فيه أحكامه كالخيار والشفعة، وعدم توقف الملك على القبض، بل تملك بالعقد، ومحل عدم العوض إن لم تقم قرينة على طلبه، وإلا وجب إعطاء العوض، أو رد الهدية كما صرح به الرملي.

وقوله: ولو من الأعلى أي ولو كان ذلك التمليك صادرا من الأدنى للأعلى منه رتبة دنيوية، وهذه الغاية للرد على القول بأن الهبة إذا كانت من الأدنى للأعلى منه تقتضي العوض عملا بالعادة.

فالهبة والعطية، والهدية والصدقة معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، وهذا صحيح بالنسبة لاسم العطية، فإن اسم العطية شامل للجميع أما الصدقة والهدية فهما متغايران، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وقال في اللحم الذي تصدق به على بريرة: "هو عليها صدقة، ولنا هدية"، فالظاهر أن من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج، فهو صدقة ومن دفع إلى إنسان شيئا يتقرب به إليه محبة له، فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه، ومحثوث عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" ١، وأما الصدقة فما ورد في فضلها أكثر من أن يمكننا حصره، وقد قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} ٢.


١ حديث: "تهادوا تحابوا"، رواه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي وابن وردان عن أبي هريرة، وإسناده حسن "التلخيص الحبير ج٣ ص٦٩، ٧٠".
٢ من الآية "٢٧١" من سورة البقرة.

<<  <   >  >>