واحتجوا بحديث جابر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه، بل تكون لورثتها. ونصه:
"إن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها، فماتت فجاء إخوته فقالوا: نحن فيه شرع سواء، قال: فأبى، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثًا" رواه أحمد.
الحال الثالث: أن يقول: هي لك ولعقبك من بعدك، أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد، فهذه حكمها حكم الهبة، وروي عن مالك أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر، وعقبه رجعت إلى الواهب، والأحاديث القاضية بأنها ملك الموهوب ولعقبة ترد عليه.
والخلاصة أنه إذا شرط في العمري أنها للمعمر وعقبه، فهذا تأكيد لحكمها، وتكون للمعمر وورثته، وهذا قول جميع القائلين بها، إذا أطلقها فهي للمعمر ورثته أيضا؛ لأنها تمليك للرقبة، فأشبهت الهبة، فإن شرط أن تكون له بعد موته، فقال الشافعي في القديم: يصح العقد والشرط، ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر، وقال في الجديد: بأنها تكون للمعمر.
إذا ثبت هذا فإن العمري تصح في العقار وغيره من الحيوانات، والثياب؛ لأنها نوع من هبة، فصحت في ذلك كسائر الهبات.
ومن ثم إذا قال: سكنى هذا الدار لك عمرك، أو اسكنها عمرك أو نحو ذلك، فليس ذلك بعقد لازم؛ لأنها في التحقيق هبة المنافع، والمنافع إنما تستوفي بمضي الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم إلا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى، وللمسكن الرجوع متى شاء، وأنه إذا مات بطلت، والله أعلم.