للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال الرازي في تفسيره: (اعلم أنه لا نزاع بين الأمة في إطلاق هذه اللفظة، وهي أن العبد قد يُحِب الله تعالى، والقران ناطق به، كما في هذه الآية - {آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] وكما في قوله تعالى: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: ٥٤]، ...

وأعلم أن الأمة وإن اتفقوا في إطلاق هذه اللفظة، لكنهم اختلفوا في معناها، فقال جمهور المتكلمين: إن المحبة نوع من الإرادة، والإرادة لا تعلق لها إلا بالجائزات، فيستحيل تعلق المحبة بذات الله تعالى وصفاته، فإذا قلنا: نُحِب الله، فمعناه نُحِب طاعة الله وخدمته، أو نُحِب ثوابه وإحسانه) (١).

والذين أنكروا محبة الله -عز وجل - لهم في ذلك شبه منها:

قالوا: إن (المحبة تقتضي المناسبة، قالوا: وهي منتفية فلا مناسبة بين المحدث والقديم، فيقال لهم: هذا كلام مجمل تعنون بالمناسبة الولادة أو المماثلة، أو نحو ذلك مما يجب تنزيه الرب عنه، فإن الشيء ينسب إلى أصله بأنه ابن فلان وإلى فرعه بأنه أبو فلان، وإلى نظيره بأنه مثل فلان، ولما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه أنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} [الإخلاص: ١ - ٤] (٢)، فلم يخرج من شيء ولا يخرج منه شيء، ولا له مثل، فإن عنيتم هذا لم نسلم أن المحبة لا بد فيها من هذا.

وإن أردتم بالمناسبة أن يكون المحبوب متصفاً بمعنى يحبه المُحِب، فهذا لازم المحبة والرب متصف بكل صفة تُحَب، وكل ما يُحَب فإنما هو منه فهو أحق بالمحبة من كل محبوب (٣)


(١) التفسير الكبير للرازي، (٤/ ١٧٥ - ١٧٦)، وانظر تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، ص (٦/ ٥)، (٦/ ٢٣٦)، وتفسير أبي السعود، ص (١/ ٢٩٥).
(٢) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الإخلاص، ص (٩/ ٨٦)، وهو في ضعيف الترمذي للألباني، ص ٤٣٩، رقم ٦٦٦، ٦٦٧.
(٣) النبوات ص ١٢٦.

<<  <   >  >>