للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العمل لكان هذا تكريراً، أو من باب عطف الخاص على العام، وكلاهما على خلاف ظاهر الكلام، الذي لا يجوز المصير إليه إلا بدلالة تبين المراد، وكما أن محبته لا يجوز أن تفسر بمجرد محبة رسوله، فكذلك لا يجوز تفسيرها بمجرد محبة العمل له، وإن كانت محبته تستلزم محبة رسوله، ومحبة العمل له.

وأيضاً فالتعبير بمحبة الشيء عن مجرد محبة طاعته لا عن محبة نفسه أمر لا يعرف في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً، فحمل الكلام عليه تحريف محض أيضاً (١).

ويقال لهم أيضاً: (إن أردتم أن ذلك يقتضي حاجته إلى العباد وأنهم يضرونه أو ينفعونه، فهذا ليس بلازم، ولهذا كان الله منزهاً عن ذلك ...

فالله أجل من أن يحتاج إلى عباده لينفعوه أو يخاف منهم أن يضروه، وإذا كان المخلوق العزيز لا يتمكن غيره من قهره، فمن له العزة جميعاً، وكل عزة فمن عزته أبعد من ذلك، وكذلك الحكيم المخلوق إذا كان لا يفعل بنفسه ما يضرها، فالخالق جل جلاله أولى أن لا يفعل ذلك لو كان ممكناً فكيف إذا كان ممتنعاً) (٢).

ويقال لهم: إن (كنتم نفيتم حقيقة الحب والرضى لأن ذلك يستلزم اللذة بحصول المحبوب، قيل لكم: إن كان هذا لازماً فلازم الحق حق، وإن لم يكن لازماً بطل نفيكم، والفرح في الإنسان هو لذة تحصل في قلبه بحصول محبوبه) (٣).

ويقال لمن نفى ذلك - يعني المحبة والفرح والحكمة ونحو ذلك -: لم نفيته ولم نفيت هذا المعنى وهو وصف كمال لا نقص فيه؟ ومن يتصف به أكمل ممن لا يتصف به؟ وإنما النقص فيه أن يحتاج فيه إلى غيره والله تعالى لا يحتاج إلى أحد في شيء بل هو فعال لما يريد (٤).

فإن قال نافي المحبة والفرح والحكمة ونحو ذلك: هذا يستلزم حاجته إلى المخلوق ظهر فساد قوله.


(١) المصدر السابق ص (١٠/ ٧١ - ٧٢).
(٢) النبوات ص ١٦٠.
(٣) المصدر السابق ص ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) المصدر السابق ص ١٦٣.

<<  <   >  >>