للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن قال: (إن كان وصف كمال فقد كان فاقداً له، وإن كان نقصاً فهو منزه عن النقص، قيل له: هو كمال حين اقتضت الحكمة حدوثه، وحدوثه قبل ذلك قد يكون نقصاً في الحكمة أو يكون ممتنعاً غير ممكن كما يقال في نظائر ذلك (١).

(فإن قال - أي الأشاعرة-: تلك الصفات أثبتها بالعقل، لان الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك.

فلا ريب أن ما أثبته هؤلاء الصفاتية من صفات الله ثابت بالشرع مع العقل، وهو متفق عليه بين سلف الأمة وأئمتها، وإنما خصوا هذه الصفات بالذكر دون غيرها لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم) (٢).

فيقال لكم جوابان:

أحدهما: أن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، فهب أن ما سلكته من الدليل العقلي لا يثبت ذلك فإنه لا ينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل، لأن النافي عليه الدليل، كما على المثبت، والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم من المعارض المقاوم.

الثاني: أن يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات، فيقال: ... وإكرام الطائعين دليل على محبتهم) (٣).

فإن قال - أي المعتزلة-: أنا لا أثبت شيئاً من الصفات، قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى: مثل حي، عليم، قدير، والعبد يسمى بهذه الأسماء، وليس ما يثبت للرب من هذه الأسماء مماثلاً لما يثبت للعبد، فقل في صفاته نظير قولك في مسمى أسمائه.

وقيل له أيضاً: (لا فرق بين إثبات الأسماء وبين إثبات الصفات، فإنك إن قلت: إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي تشبيها وتجسيما، لأنا لا نجد في الشاهد متصفا بالصفات إلا ما هو جسم قيل


(١) المصدر السابق ص ١٦٣ - ١٦٤.
(٢) شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص ٢٤.
(٣) التدمرية ص ٣٣.

<<  <   >  >>