للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(وإن كان المخاطب من الغلاة، نفاة الأسماء والصفات، وقال: (لا أقول هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، بل هذه الأسماء لمخلوقاته، أو هي مجاز، لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم القدير.

قيل له: وكذلك إذا قلت: ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، كان ذلك تشبيها بالمعدومات، وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات) (١).

وأما قولهم بأن ذلك مجازاً: (فالمجاز لا يطلق إلا بقرينة تبين المراد، ومعلوم أن ليس في كتاب الله وسنة رسوله ما ينفي أن يكون الله محبوباً، وأن لا يكون المحبوب إلا الأعمال لا في الدلالة المتصلة ولا المنفصلة بل ولا في العقل أيضاً، وأيضاً فمن علامات المجاز صحة إطلاق القول بأن الله لا يُحِب ولا يُحَب، ... ومعلوم أن هذا ممتنع بإجماع المسلمين، فعلم دلالة الإجماع على أن هذا ليس مجازاً بل هي حقيقة) (٢).

فإن قال النفاة: لو قلنا: إن الصفات تقوم به، للزم أن يكون جسماً، والأجسام حادثة، لأنها لم تسبق الحوادث، ولا تخلو عنها، وما لا يسبق الحوادث، ولا يخلو عنها فهو حادث (٣).

فيقال: (إن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفاً بصفات الكمال: صفات الذات وصفات الأفعال، ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها، لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص، ولا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده) (٤).

(وحلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة، وفيه إجمال، فإن أريد أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلالته وعظمته، فهذا نفي باطل) (٥).


(١) التدمرية، ص ٣٦.
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ٧١).
(٣) منهاج السنة النبوية (٣/ ٣٦١)، انظر مجموع الفتاوى ص (٦/ ٣٤).
(٤) شرح العقيدة الطحاوية ص (١/ ٩٦).
(٥) المصدر السابق ص (١/ ٩٧).

<<  <   >  >>