للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (وبكل حال فمجرد هذا الاصطلاح، وتسمية هذه أعراضاً وحوادث: لا يخرجها عن أنها من الكمال الذي يكون المتصف به أكمل ممن لا يمكنه الاتصاف بها، أو يمكنه ذلك ولا يتصف به) (١).

قالوا: (لو قامت الحوادث بالله تعالى، للزم تغيره والتغير على الله محال، ويقصدون بالحوادث أفعال الرب تبارك وتعالى الاختيارية، فعندهم: لو قام فعل حادث بذات الله، لاتصف به، كما اتصف بالحياة والقدرة والعلم والمشيئة ولو اتصف بها لتغير بها، والتغير عليه ممتنع.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ التغير لفظ مجمل فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، بل إن لفظ التغير في كلام الناس المعروف يتضمن استحالة الشيء، والناس إنما يقولون تغير: لمن استحال من صفة إلى صفة، فالإنسان مثلا: إذا مرض، وتغير في مرضه، كأن اصفر لونه، أو شحب، أو نحل جسمه: يقال: غيره المرض، وكذا إذا تغير جسمه بجوع أو تعب، قيل قد تغير، وكذا إذا غير لون شعر رأسه ولحيته، يقول قد غير ذلك، وكذا إذا تغير خلقه ودينه؟ مثل أن يكون فاجرا فيتوب، ويصير برا أو يكون برا، فينقلب فاجرا فهذا يقال عنه: إنه قد تغير.

فالمقصود أن مثل هذه الأمور يقال لها تغير أما ما يقوم بالإنسان من أفعال: كتكلمه، ومشيه، وقيامه، وقعوده، وطوافه، وصلاته، وركوبه، وأمره، ونهيه، فلا يقال إن هذا تغير.

فالناس لا يقولون للإنسان إذا كانت عادته أن يقرأ القران ويصلي الخمس أنه كلما قرأ وصلى قد تغير، وإنما يقولون ذلك لمن لم تكن عادته هذه الأفعال، فإذا تغيرت صفته وعادته: قيل: إنه قد تغير.

وكذلك الناس لا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت جارية في السماء، ذاهبة من المشرق إلى المغرب أنها متغيرة. ولا يقولون للماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه قد تغير، ولا للفاكهة أو الطعام عند الإطلاق، أو عند تحويلها من مكان إلى مكان أنه تغير) (٢).

فالحركة المكانية: هذه لا تسمى تغيرا، بل تسمى تحركا.

والمقصود مما تقدم أن لفظ التغير من الألفاظ المجملة فقد يراد به في بعض المواضع: الاستحالة وقد يراد به الحركة الكيفية أو الكمية، لا الحركة المكانية (٣)، وإذا نزه الله تعالى عن التغير؟ فالمراد تنزيهه عما ينافي كماله جل وعلا؟ كانقلاب صفة الكمال إلى صفة نقص، أو نحو ذلك.


(١) مجموع الفتاوى ص (٦/ ٩١).
(٢) مجموع الفتاوى ص (٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠).
(٣) المصدر السابق ص (٦/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>