للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(والشاهد من هذه الآيات الكريمة: أن فيها إثبات المحبة والمودة لله سبحانه وأنه يُحِب ويُوِد بعض الأشخاص والأعمال والأخلاق ...

وفيها إثبات المحبة من الجانبين جانب العبد وجانب الرب {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ}، وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، ففي ذلك الرد على من نفى المحبة من الجانبين كالجهمية (١) والمعتزلة (٢)، فقالوا: لا يُحِب ولا يُحَب، وأولوا محبة العباد له بمعنى محبتهم عبادته وطاعته، ومحبته للعباد بمعنى إحسانه إليهم وإثابتهم ونحو ذلك، وهذا تأويل باطل؛ لأن مودته ومحبته سبحانه وتعالى لعباده على حقيقتها كما يليق بجلاله كسائر صفاته، ليستا كمودة ومحبة المخلوق) (٣).

وقد جاء في السنة أحاديث كثيرة في إثبات صفة المحبة لله عز وجل منها حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» الحديث (٤).

فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين: أثبتت محبة الله لعباده المؤمنين، ومحبتهم له ... وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعبادة المؤمنين ومحبتهم له (٥).

قال ابن القيم (٦) - رحمه الله -:

وله الإرادة والكراهة والرضى وله المحبة وهو ذو الإحسان (٧)


(١) الجهمية: أصحاب الجهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة ظهرت بدعته بترمذ، وقتله مسلم بن أحوز بمرو في آخر ملك بني أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية وزاد عليهم بأشياء وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط. انظر: الملل والنحل للشهرستاني، ص ٣٦، والفرق بين الفرق للبغدادي، ص ١٩٤.
(٢) المعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وسموا بذلك لما اعتزلوا مجلس الحسن البصري رحمه الله، وأصول اعتقادهم خمس، العدل، والتوحيد، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انظر: الفرق بين الفرق ص ١١٢، الملل والنحل ص ٢١.
(٣) شرح العقيدة الواسطية، صالح الفوزان، ص ٤٥.
(٤) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر ص (٥/ ٧٦).
(٥) مجموع الفتاوى ص (٢/ ٣٥٤).
(٦) هو محمد بن أبي بكر بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق، المفسر النحوي الأصولي، الملقب بشمس الدين، والمعروف بابن قيم الجوزية، والجوزية مدرسة كان أبوه قيماً عليها، ولد سنة ٦٩١ هـ، وتوفي سنة ٧٥١ هـ. أنظر البداية والنهاية لابن كثير (١٤/ ٢٤٦)، شذرات الذهب (٦/ ١٦٨).
(٧) نونية ابن القيم ص ٣٧.

<<  <   >  >>