ويستخلص منها التجارب: يرسم بها خطط عمله، وأساليب حكمه، ونظم مملكته. ورحمة وحنان على الضعيف والصغير يحسُّ معه رحمة الأبوة، وحنان المؤمن الذي قلبه مرآة ينطبع فيها شعور كل أخوانه وإحساساتهم، فيفرح بما يفرحون، ويتألم مما يتألمون. كم رأيته في مجلسه يجلس أحد أطفال أولاده أو أحفاده في حجره، يداعبه ويلاطفه، وهو مع تلك المداعبة والملاطفة لا ينشغل عن حديثه، ولا يقطع مجرى خطبته. وقد وفق إلى حرص عظيم على بر الوالدين وصلة الأرحام، ويتجلى به معنى قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}[الإسراء: ٢٣،٢٤] حدثني من رآه بمكة، وقد أردا والده الإمام عبد الرحمن رحمه الله أن يركب، فوطَّأ له من كتفه حتى وضع قدمه عليه، فصعد على مركبه، وأنه كان يتولي بنفسه صب القهوة في مجلس والده. وكان ذلك في الحجاز. وعبد العزيز ملك الحجاز وسلطان نجد، وصقر الجزيرة وبطل الإسلام, وبذلك ضرب للناس أعظم المثل، وأحسن القدوة في إتباع الكتاب الكريم وسنة النبي صلى الله عليه سلم، وأنه هو أحق الناس أن يكون زعيما، وأن يكون إماما وأبا للجميع وذلك خلق بنيه الكرام، فإنك ترى من توقيرهم لوالدهم وتآلفهم فيما بينهم ما يخبرك أصدق الأخبار عن المؤمنين السالفين.
٢٧٨ - بهذه السجايا العظيمة، والخلال الكريمة بسط الله لعبد العزيز