للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يلين الكلم الطيب، والنصح الخالص قلوبهم ورءوسهم. ولا تستطيع الموعظة الحسنة أن تستخرج من رءوسهم شياطين الفتنة وطواغيت الشرك والوثنية، فلصوت الحديد عندئذ وبريقه النفع الكثير في تنفير تلك الشياطين من عشها، وطردها من أو كارها.

٨٤ - وأين للشيخ هذا العلم، والحديد؟ فأما العيينة فما فيها من العلم لا يساوى شيئا، ولا يغنى شيئا، وها هو ذا قد استوعبه كله؛ فلم يبق فيها شيء من العلم إلا وهو في صدره وعلى لسانه. وأما الحديد فأين يجده، وأمير العيينة كغيره من عبيد الشهوات والدنيا؟ فليبحث أولا عن العلم، ثم ليكن من فضل الله بعدُ أن يهيئ للعلم أميرا يؤيده، وسيفا يقوم بجانبه يحرسه. لا بد من انتجاع العلم في غير بلده، ولا بد من الرحلة سعيا وراءه حيث يكون.

٨٥ - تجهز للرحلة إلى البلاد المقدسة ليؤدى فريضة الحج أولا، ثم ليغترف من بحر العلم في الحرمين فوصلها وأدى نسكه وقضى تفثه، وأشبع روحه من مناسك الحج ومشاعره، ثم انقلب يشبع نفسه من العلم، فجلس إلى علماء الحرم المكي، وسمع لحديثهم في العلوم الدينية، والظاهر أنه لم يرقه ما يقولون. ولم يجد من نفسه إقبالا على دروسهم وعلومهم. إذ خرج من مكة مبادراً يقصد شطر طيبة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيمم مسجدها أول مسجد أسس على التقوى، وصلى فيه، ثم سلم بعد على المصطفى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم ذهب يطلب العلم.

<<  <   >  >>