للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١١٧ - فأخذ طريقه إلى الزبير سيرا على الأقدام، ولم يكن معه لذلك الطريق رفيق ولا زاد ولا ماء، فناله من الظمأ ما أشرف معه على الهلاك، لولا أن أدركه الله تعالى وأغاثه برجل يقال له: أبو حمدان من أهل الزبير، فأخذه من هيبة الشيخ والشفقة عليه ما حمله على التطوع لخدمته، وكان معه ماء فسقاه ونزل له عن حماره فأركبه، حتى وصل إلى بلدة الزبير.

١١٨ - فلم يلبث بالزبير إلا يسيرا ثم خرج منها ميمما الأحساء، فنزل فيها ضيفا على الشيخ العالم: عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف، وكان شيخا شافعيَّ المذهب ذا شهرة في الفقه، لكنه لم يكن في حرية الفكر وقوة العلم كالشيخ المجموعي أو الشيخ حياة السندي، فلم يرُقْ عند الشيخ –فيما يغلب على الظن- الإقامة عنده كثيرا، فخرج من الأحساء، ووليَّ وجهه شطر بلدة حريملاء، وكان والده الشيخ عبد الوهاب قد انتقل إليها في سنة١١٣٩، فلما وصل الشيخ محمد إلى حريملاء أخذ يقرأ على الناس ما وعى من العلوم، ويقرر لهم التوحيد الصحيح، وينكر ما أحدث الناس من البدع والشرك والأقوال والأفعال التي عرف أنها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في القرون الفاضلة، وأخذ يشتد في ذلك ولا يُداجِِي أحدا.

١١٩ - كان والده كشيوخ بلاده، إنما يحيط علما بما في كتب الفقه التي ألفها المتأخرون من متون وشروح وحواشٍ، وما في كتب الكلام العقيمة التي ليس فيها إلا جدل فارغ، وحكاية كلام معقَّد يسمونه علم التوحيد، فسمع من ابنه علما جديدا، وكلاما لا عهد له بمثله، فخشي على ولده أن يرى عند العامة بالكفر، وأن يوصف من الدهماء بالمروق من الدين، ولعله نصح حينئذ

<<  <   >  >>