والحجاز لطلب العلم، وأخذ عن الشيخ على أفندي الداغستاني وعن المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني وغيرهما من العلماء، وأجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها على اصطلاح أهل الحديث من المتأخرين، ولما امتلأ وطابه من الآثار وعلم السنة وبرع في مذهب أحمد أخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنيفي والشريعة السمحاء، وأعانه قوم أخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص، والدعاية إليه، وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، فحبا إلى معارضته أقوام ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتدرعوا الكسل على طلب الحق، وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر، وجنود الحق تكافحهم فلا تبقي منهم ولا تزر، وما أحقهم بقول القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ولم يزل مثابرا على الدعوة إلى دين الله تعالى حتى توفاه الله تعالى سنة ست ومائتين وألف هجرية.
ولقد شهدت الأقطار بعلمية محمد بن عبد الوهاب، وتناقلها المسلمون على مر السنين، وحتى كتاب عصرنا تحدثوا عنه وعن فقهه وعزمه في كتاباتهم سواء أرادوا الكلام عن مواطن حركات الإصلاح أو المصلحين..
ومنها ما قاله الدكتور محمد عمارة في بحثه الذي نشر بجريدة "الخليج" عدد ١١١٠ يوم ٢٨ /٦ /١٤٠٢هـ الموافق ٢٢/٤ /١٩٨٢م.. حيث قال:"في بيئة بدوية بسيطة، هي "نجد" بشبه الجزيرة العربية، ولد ونشأ محمد بن عبد الوهاب (١١١٥- ١٢٠٦هـ) .. وكانت السيادة الاسمية والرسمية على موطنه لخلفاء آل عثمان.
وكان ابن عبد الوهاب سليل أسرة من الفقهاء، أخذ عنهم علوم الدين، كما درس على علماء الحرمين؛ مكة، والمدينة، وظهر نزوعه منذ فجر حياته إلى النهج السلفي الرافض لما طرأ على عقائد الإسلام وعباداته من بدع وخرافات وإضافات.
لقد نظر ابن عبد الوهاب، فوجد عامة الناس يتخذون الوسائل والوسائط شفعاء إلى الله، بل ويتوجهون إليهم بالطلب والدعاء والاستغاثة في الملمات.. كما وجد العبادات قد أصابتها البدع بالنقص والزيادة.. فشابت الشوائب كلا من العقائد والعبادات.