للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد هذا أن يرميه بالتعصب والهوى؟ ثم إن هذه القواعد شاملة لجميع العلوم الشرعية كما لفت رحمه الله نظر القارئ لها بقوله: "اعلم رحمك الله أن هذه الكلمات الأربع مع اختصارها يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير، أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب -الذي يسمى علم السلوك-، أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام، أو الأحكام الذي يسمى الفقه.. أو على علم الوعد والوعيد، أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين"١.

وأنا أمثل لك مثلا تعرف به صحة ما قلته، وتحتذي به إن فهمته، وأمثله لك في فن من فنون الدين وهو علم الفقه -وكما قرر إمام الدعوة في هذه القواعد ما يلزم المتكلم من الاستدلال الصريح، قرر أيضا أن للشريعة قواعد كلية تستدل بها على الجزئيات، ولا يستغني طالب العلم عن معرفتها، فالمستدل بقاعدة من الشرع على جزئية فهو كالمستدل بنص صريح في جزئية ما؛ لأن الشريعة لم تأت بجزئيات المسائل وتفاصيلها- لذا صارت شاملة وكاملة إلى يوم القيامة، وكلما حدثت واقعة جديدة أدخلها من نوّر الله بصيرته تحت قواعد الشريعة.

قال الشيخ رحمه الله تعالى: "ومن أعظم ما مَنَّ الله به عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته أعطاه جوامع الكلم" فيذكر الله تعالى في كتابه كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصى، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خصه الله بالحكمة الجامعة.

ومن فهم هذه المسائل فهماً جيدا فهم قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ٢.

وهذه الكلمة أيضا من جوامع الكلم؛ إذ الكامل لا يحتاج إلى زيادة، فعلم منه بطلان كل محدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما أوصانا به في قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم


١ الدرر السنية جـ٤ صفحة ١-٢.
٢ سورة المائدة آية: ٣.

<<  <   >  >>