للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لخروجهم إلى العدو، فرد الله عليهم بقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} ١؛ أي: هذا قدر مقدر من الله، لا بد أن يقع، ولا يمنع منه التحرز في البيوت والتلهف، وقول (لو) بعد نزول المصيبة لا يفيد إلا التحسر والحزن وإيلام النفس والضعف، مع تأثيره على العقيدة من حيث إنه يوحي بعدم التسليم للقدر.

ثم ذكر سبحانه عن هؤلاء المنافقين مقالة أخرى، وذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ٢، وهذه من مقالات بعض المنافقين يوم أحد - أيضا، ويروى أنه عبد الله بن أبي، يعارض القدر، ويقول: لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج؛ ما قتلوا مع من قتل. فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} ٣؛ أي: إذا كان القعود وعدم الخروج يسلم به الشخص من القتل أو الموت؛ فينبغي أن لا تموتوا، والموت لا بد أن يأتي إليكم في أي مكان؛ فادفعوه عن أنفسكم إن كنتم صادقين في دعواكم أن من أطاعكم سلم من القتل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر مقالة ابن أبي هذه؛ قال: "فلما انخزل يوم أحد، وقال: يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان "أو كما قال"؛ انخزل معه خلق كثير كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك؛ فألئك كانوا مسلمين، وكان معهم إيمان، هو الضوء الذي ضرب الله به المثل، فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق؛ لماتوا على الإسلام، وهؤلاء لم يكونوا من المؤمنين حقا، الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة، ولا من المنافقين الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة.... " انتهى.

والشاهد منه أن اللهج بكلمة (لو) عند حصول المصائب من سمات


١ سورة آل عمران، الآية ١٥٤.
٢آل عمران ١٦٨.
٣آل عمران ١٦٨.

<<  <   >  >>