للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معناه؛ فقد كذب عليهم؛ لأن كلامهم يخالف ما يقوله هذا المفتري.

ثالثا: السلف يثبتون الصفات إثباتا بلا تمثيل؛ فلا يمثلونها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولا كفء له، ولا ند له، ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات؛ لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو.

والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات؛ فكذلك له صفات لا تشبه الصفات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١؛ أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله؛ فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} ٢؛ فهو أعلم بنفسه وبغيره.

كما يجب الإيمان بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى} ٣؛ فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه جل وعلا من أن تشبه صفته صفة الخلق.

فمن قدم بين يدي الله ورسوله وتجرأ على الله، فنفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات العظيمة وما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا الذي وصفت به نفسك ووصفك به رسولك لا يليق بك وفيه من النقص كذا وكذا؛ فأنا أؤوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي؛ كما قال بعضهم:

وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها

فلا أرجع إلى كتابك ولا إلى سنة نبيك في ذلك؛ لأن ما فيهما يوهم التشبيه، وإنما أرجع إلى قواعد المتكلمين وأقاويل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة


١ سورة الشورى، الآية ١١.
٢ سورة البقرة، الآية ١٤٠.
٣ سورة النجم، الآية ٣.

<<  <   >  >>