للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا؟ وأي جرأة على الله أعظم من هذه الجرأة!

ويلزم من ذلك - أيضا - أن يكونوا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمأثبت لله هذه الصفات، وهم نفوها وقالوا: إنها لا تليق بالله! وأي ضلال أعظم من هذا الضلال لو كانوا يعقلون؟! كيف يكون هؤلاء الجهال الضلال أعلم بالله من نفسه، تعالى الله عما يقولون، والله تعالى يقول: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ١، ولا أحد من الخلق أعلم بالله وما يستحقه وما يليق به من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

إن الذي حمل الجهمية وأتباعهم على نفي صفاتالله - عز وجل - هو جهلهم بالله وسوء أفهامهم، حيث ظنوا أنه يلزم من إثبات هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله؛ يلزم منها التشبيه؛ لأنهم يرون هذه الصفات في المخلوقين، ولا يفرقون بين صفات الخالق وصفات المخلوق، ولم يفهموا من صفات الخالق إلا ما فهموا من صفات المخلوقين، ولم يعلموا أن صفات الخالق سبحانه تخصه به وصفات المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا تشابه بين صفات الخالق وصفات المخلوق، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق وذوات المخلوقين؛ كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٢؛ فأثبت لنفسه السمع والبصر، ونفى عنه مشابهة الأشياء، فدل ذلك على إثبات الصفات لا يلزم منه المشابهة بين الخالق والمخلوق.

وهذا هو الأصل الذي سار عليه أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء الله وصفاته؛ أثبتوا له ما أثبته لنفسه بلا تمثيل ونزهوه عما نزه نفسه عنه بلا تعطيل.

أما الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة؛ فإنهم بنوا مذهبهم على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم، وهو أن إثبات هذه الصفات يقتضي


١ سورة طه، الآية ١١٠.
٢ سورة الشورى، الآية ١١.

<<  <   >  >>