للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طاعة لله، وبعد النسخ يجب العمل بالناسخ، فمن تمسك بالمنسوخ وترك الناسخ؛ ليس هو على دين الإسلام، ولا هو متبع لأحد من الأنبياء، ولهذا كفر اليهود والنصارى؛ لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ.

والله تعالى يشرع لكل أمه ما يناسب حالها ووقتها، ويكون كفيلاً بإصلاحها، متضمنا لمصالحها، ثم ينسخ الله ما يشاء من تلك الشرائع لانتهاء أجلها، إلى أن بعث نبيه محمدًا خاتم النبيين إلى جميع الناس على وجه الأرض وعلى امتداد الزمن إلى يوم القيامة، وشرع له شريعة شاملة صالحة لكل زمان ومكان؛ لا تبدل ولا تنسخ؛ فلا يسع جميع أهل الأرض إلا إتباعه والإيمان به صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} ١، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} ٢، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ٣، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ٤.

والآيات التي أنزلها الله - سبحانه - على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيها خطاب لجميع الخلق الجن والإنس، وعلى اختلاف أجناسهم، ولم يخص العرب بحكم من الأحكام، بل علق الأحكام باسم كافر ومؤمن ومسلم ومنافق وبر وفاجر ومحسن وظالم وغير ذلك من الأسماء المذكورة في القرآن والحديث؛ فليس في القرآن والحديث تخصيص العرب بحكم من الأحكام الشرعية، إنما علق الأحكام بالصفات المؤثرة فيما يحبه الله وفيما يبغضه الله، ونزول القرآن بلسان العرب إنما هو لأجل التبليغ؛ لأنه بلغ قومه أولاً، ثم بواسطتهم بلغ سائر الأمم، وأمره الله بتبليغ قومه أولاً، ثم تبليغ الأقرب فالأقرب؛ كما أمر بجهاد الأقرب فالأقرب، وليس هذا تخصيصا، وإنما هو تدرج بالتبليغ.


١ سورة الأعراف، الآية: ١٥٨.
٢ سورة سبأ، الآية: ٢٨.
٣ سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
٤ سورة الأحزاب، الآية: ٤٠.

<<  <   >  >>