للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب؛ فحكم الآيات عام، يتناول ما تقتضيه الآيات لفظا ومعنى، في أي نوع كان، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن؛ فدعوته صلى الله عليه وسلم شاملة للثقلين الإنس والجن، على اختلاف أجناسهم؛ فلا يظن أنه خص العرب بحكم من الأحكام أصلاً، بل إنما علق الأحكام باسم مسلم وكافر ومؤمن ومنافق وبر وفاجر ومحسن وظالم وغير ذلك من الأسماء المذكورة في القرآن والحديث، وليس في القرآن ولا الحديث تخصيص العرب بحكم من أحكام الشريعة، وإنما علق الأحكام بالصفات المؤثرة فيما يحبه الله وفيما يبغضه؛ فأمر بما يحبه الله ودعا إليه بحسب الإمكان، ونهى عما يبغضه الله وحسم مادته بحسب الإمكان؛ لم يخص العرب بنوع من أنواع الشريعة؛ إذ كانت دعوته لجميع البرية، لكن؛ نزل القرآن بلسانهم، بل بلسان قريش؛ لأجل التبليغ؛ لأنه بلغ قومه أولاً، ثم بواسطتهم بلغ سائر الأمم، وأمره بتبليغ قومه أولاً، ثم بتبليغ الأقرب فالأقرب إليه؛ كما أمر بجهاد الأقرب فالأقرب.

وكما كان صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الإنس؛ فهو مبعوث - أيضا - إلى الجن؛ فقد استمع الجن لقراءته، وولَّوا إلى قومهم منذرين؛ كما أخبر الله - عز وجل - وهذا متفق عليه بين المسلمين.

وقد ذكر الله في القرآن من خطاب الثقلين ما يبين هذا الأصل؛ كقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ... } ١ الآية، وأخبر الله عن الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} ٢، أي مذاهب شتى؛ مسلمون وكفار، وأهل سنة وأهل بدعة، وقالوا: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ... } ٣ الآية، والقاسط: الجائر؛ يقال: قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يجب على الإنسان أن يعلم أن الله - عز


١ سورة الأنعام، الآية: ١٣٠.
٢ سورة الجن، الآية: ١١.
٣ سورة الجن، الآية: ١٤.

<<  <   >  >>