للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقتل الخنزير، ويضع الجزية"، وثبت في "الصحيح"عنه؛ أنه ينزل على المنارة البيضاء شرق دمشق، ويقتل الدجال. ومن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي؛ فإنه يقوم من قبره، وأما قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ١؛ فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت إذ لو أراد بذلك الموت؛ لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء، وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه} ٢؛ فقوله هنا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه} يبين أنه رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في"الصحيح" أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته؛ لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات، ولهذا قال من قال من العلماء: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ؛ أي: قابضك؛ أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته، ولفظ التوفي لا يقتضي توفي الروح دون البدن ولا توفيهما جميعا؛ إلا بقرينة منفصلة، وقد يراد به توفي النوم؛ كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ٣، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} ٤ انتهى.

وقال القاضي عياض: "نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله؛ فوجب إثباته، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ٥، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي"، وإجماع المسلمين أنه لا نبي


١ سورة آل عمران، الآية: ٥٥.
٢ سورة النساء، الآيتان: ١٥٧ ـ ١٥٨.
٣ سورة الزمر، الآية: ٤٢.
٤ سورة الأنعام،: ٦٠.
٥ سورة الأحزاب، الآية: ٤٠.

<<  <   >  >>