فلا نجد فيه ملائكة يضربون الموتى، ولا حيات، ولا تعابين، ولا نيران تأجج! وكيف يفسح مد بصره أو يضيق عليه نجده بحاله ونجد مساحته على حد ما حفرناه له يزد ينقص؟! وكيف يصير القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟!.
وجوابنا عن ذلك من وجوه:
أولاً: أن حال البرزخ من الغيوب التي أخبرت بها الأنبياء، ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً؛ فلا بد من تصديق خبرهم.
ثانيا: أن النار في القبر والخضرة ليست من النار الدنيا ولا من زروع الدنيا فيشاهد ذلك من شاهد نار الدنيا وخضرها، وإنما هي من نار الآخرة وخضرها، وهي أشد من نار الدنيا؛ فلا يحس بها أهل الدنيا؛ فإن الله سبحانه يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه وتحته، حتى يكون أعظم حرًا من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيا؛ لم يحسوا بذلك يحسوا بذلك، وقدرة الرب أوسع من ذلك وأعجب.
وإذا شاء الله أن يطَّلع بعض العباد على عذاب القبر؛ أطلعه، وغيَّبه عن غيره؛ إذ لو اطلَّع العباد كلهم؛ لزالت حكمه التكليف والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس؛ كما في "الصحيحين" في الحديث الذي مرَّ من قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن تدافنوا؛ لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع"، ولما كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم؛ سمعت ذلك وأدركته؛ كما حادت برسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته، وكادت تلقيه، لما مر بمن يعذاب في قبر؛ فرؤية هذه النار في القبر كرؤية الملائكة والجن، تقع أحيانا لمن شاء الله أن يريه ذلك.
وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه ويقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلفه حكمة منه ورجمة بهم؛ لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها، والعبد أضعف بصرًا وسمعا أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر، وسر