للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا ... "

إلى أن قال: "واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ؛ فكل من مات وهو مستحق للعذاب؛ تاله نصيبه منه؛ قبر أو لم يقبر، أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادًا ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر؛ وصل إلى روحه ونحو ذلك؛ فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده؛ من غير غلو ولا تقصير؛ فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصد من الهدى والبيان؛ فكم حصل من إهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله".

إلى أن قال:"فالحاصل أن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعُ لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها، فإذا جاء يوم حشر الأجسام وقيام الناس من قبورهم؛ صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا.

فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل؛ ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار مطابق للعقل، وأنه حق لا مرية فيه، وبذلك يتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم.

ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم ليس من جنس نار الدنيا ولا نعيمها، وإن كان الله تعالى يحمي عليه التراب والحجارة التي فوقه والتي

<<  <   >  >>