للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخر الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا بجوارحهم، وأخلصوا له الخشية دون سواه؛ فأثبت لهم عمارة المساجد بعد أن نفاها عن المشركين؛ لأن عمارة المساجد لا تكون إلا بالطاعة والعمل الصالح، والمشرك وإن عمل؛ فعمله {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} ١. أو {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ٢، وما كان كذلك؛ فالعدم خير منه.

فلا تكون المساجد عامرة عمرانا صحيحا إلا بالعمل الصالح، المؤسس على الإخلاص التوحيد والعقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والبدع والخرافات، وليس عمارتها بالطين والزخرفة وفخامة البناء فقط، أو إشادتها على القبور؛ فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك.

وقوله تعالى: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللَّهَ} : قال ابن عطية: يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، ولا محالة أن الإنسان يخشى المحاذير الدنيوية، وقد كتب معاوية - رضي الله عنه - إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - يطلب منها أن تكتب له كتابا توصيه فيه ولا تكثر عليه؛ فكتبت له عائشة - رضي الله عنها - ما نصه: إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضى الله بسخط الناس؛ كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله؛ وكله الله إلى الناس"، والسلام. رواه أبو نعيم في (الحلية) ورواه ابن حبان في (صحيحه) ؛ بلفظ: "من التمس رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ".

قال شيخ الإسلام ابن تسمية - رحمه الله -: "وكتبت عائشة إلى معاوية وروي أنها رفعته: "من أرضى الله بسخط الناس؛ كفاه مؤونة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله؛ لم يغنوا عنه من الله شيئا"، هذا اللفظ المرفوع، ولفظ


١ سورة النور، الآية: ٣٩
٢ سورة إبراهيم، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>