للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله - عز وجل - له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس. فيقول الله - عز وجل -: فإياي كنت أحق أن تخشى".

الثالث من أنواع الخوف: الخوف الطبيعي. وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك. فهذا ليس بمذموم؛ كما قال تعالى في قصة موسى - عليه السلام -: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} ١.

أما النوع الأول الذي هو خوف السر. فهو من أعظم أنواع العبادة؛ فيجب إخلاصه لله - عز وجل، وكذلك النوع الثاني؛ فهو من حقوق العبادة ومكمِّلاتها.

ومعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} ٢، أي: يخوفكم بأوليائه. {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} نهي من الله للمؤمنين أن يخافوا غيره، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم عليه، فإذا أخلصوا الخوف وجميع أنواع العبادة؛ أعطاهم ما يريدون، وأمَّنهم مما يخافون؛ قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ٣.

قال الإمام ابن القيم: "ومن كيد عدو الله أن يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه؛ لئلا يجاهدوهم ولا يأمروهم بمعروف ولا ينهوهم عن منكر، وأخبر تعالى أن هذا من كيد الشيطان وتخويفه، ونهانا أن نخافهم، فكلما قوي إيمان العبد؛ زال منه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه؛ قوي خوفه منهم.

وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} ٤.

فأخبر سبحانه أن مساجد الله لا يعمرها إلا أهل الإيمان بالله واليوم


١ سورة القصص، الآية: ٢١.
٢ سورة آل عمران، الآية: ١٧٥.
٣ سورة الزمر، الآية: ٣٦.
٤ سورة التوبة، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>