للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه؛ صح إخلاصه ومعاملته مع الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وما رجا أحدُ مخلوقا ولا توكل عليه؛ إلا خاب ظنه فيه ... " انتهى.

والتوكل على الله من أعظم منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله - سبحانه، قال الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} ١، والآيات في الأمر به كثيرة جدّا، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ٢.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - على قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٣:"فجعل التوكل على الله شرطا في الإيمان، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه".

وكلما قوي إيمان العبد؛ كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان، ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفا؛ كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد.

والله تعالى في مواضع من كتابه يجمع بين التوكل والعبادة، وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والهداية؛ فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان لجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد؛ فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن؛ فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل.

وقد جعل الله التوكل عليه من أبرز صفات المؤمنين؛ فقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ٤، أي: يعتمدون عليه


١ سورة المزمل، الآية: ٩.
٢ سورة الطلاق، الآية: ٣.
٣ سورة المائدة، الآية: ٢٣.
٤ سورة الأنفال، الآية: ٢.

<<  <   >  >>