للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقلوبهم؛ فلا يرجون سواه، وفي الآية وصف المؤمنين حقا بثلاثة مقامات من مقامات الإحسان، وهي: الخوف، وزيادة الإيمان، والتوكل على الله وحده.

والتوكل على الله - سبحانه - لا ينافي السعي في الأسباب والأخذ بها؛ فإن الله - سبحانه تعالى - قدَّر مقدورات مربوطة بأسباب، وقد أمر الله تبارك تعالى بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل؛ فالأخذ بالأسباب طاعة لله؛ لأن الله أمر بذلك، وهو من عمل الجوارح، والتوكل من عمل القلب، وهو إيمان بالله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} ١، وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ٢قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ٣.

وقال بعض العلماء: من طعن الحركة "يعني: في السعي والكسب والأخذ بالأسباب"؛ فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل؛ فقد طعن في الإيمان.

قال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: "والأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام:

أحدها: الطاعات التي أمر الله بها عباده وجعلها سببا للنجاة من النار ودخول الجنة؛ فهذا لا بد من فعله مع التوكل على الله فيه والاستعانة به عليه؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فمن قصر في شيء من ذلك؛ استحق في الدنيا والآخرة قدرًا وشرعا.

قال يوسف بن أسباط: "يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له".

والثاني: ما أجرى الله العادة به في الدنيا وأمر عباده بتعاطيه؛ كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، والتدفئة من البرد ...


١ سورة النساء، الآية: ٧١.
٢ سورة الأنفال، الآية: ٦٠.
٣ سورة الجمعة، الآية: ١٠.

<<  <   >  >>