للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحو ذلك؛ فهذا - أيضا - واجب على العبد تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله؛ فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن الله - سبحانه وتعالى - يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوي عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره؛ فلا حرج عليه، ولهذا؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه، وينهى عن ذلك أصحابه، ويقول لهم: "إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى"، وقد كان من السلف لهم من القوة على ترك الطعام والشراب ما ليس لغيرهم، فمن كان له قوة، فعمل بمقتضى قوته، ولم يضعفه ذلك عن طاعة الله؛ فلا حرج عليه، من كلف نفسه حتى أضعفها عن بعض الواجبات؛ فإنه ينكر عليه ذلك.

القسم الثالث: ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب....".

إلى أن قال: "وقد روي عن ابن عباس؛ قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون مكة ويسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ١.

وقد سئل أحمد - رحمه الله - عمن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله؟ فقال: ينبغي للناس كلهم يتوكلون على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب، قد كان الأنبياء يُؤَجِّرونَ أنفسهم، وكان النبي "يؤجر نفسه، وأبو بكر، وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله.

وقال الله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ٢، وخرج الترمذي من حديث أنس؛ قال: "قال رجل: يا رسول الله! أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: أعقلها وتوكل"، وهذا كله إشارة إلى أن التوكل لا ينافي الإتيان بالأسباب المباحة، بل قد يكون جمعها أفضل.


١ سورة البقرة، الآية: ١٩٧.
٢ سورة الجمعة، الآية: ١٠.

<<  <   >  >>