للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النظر في كتب الفقه، ويريدون من الجهال أن يستنبطوا الأحكام من الكتاب والسنة، وهذا تطرف شنيع، وخطر هؤلاء على المسلمين لا يقل عن خطر الفريق الأول، إن لم يزد عليه، وخير الأمور الوسط والاعتدال؛ بأن لا نقلد الفقهاء تقليدًا أعمى، ولا نزهد بعلمهم نترك أقوالهم الموافقة للكتاب والسنة، بل ننتفع بها، ونستعين بها على فهم الكتاب والسنة؛ لأنها ثروة علمية، ورصيد فقهي عظيم، يؤخذ منه ما وافق الدليل، ويترك ما خالف الدليل؛ كما كان السلف الصالح يفعلون ذلك، خصوصا في زمان الذي تقاصرت فيه الهمم وفشا فيه الجهل؛ فالواجب الاعتدال بلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تساهل، ونسأل الله - عز وجل - أن يهدي ضال المسلمين، ويثبت أئمتهم وقادتهم على الحق؛ إنه سميع مجيب.

وكما لا يجوز طاعة العلماء في تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ فكذلك لا تجوز طاعة الأمراء والرؤساء في الحكم بين الناس بغير الشريعة الإسلامية؛ لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في جميع المنازعات والخصومات وشؤون الحياة؛ لأن هذا هو مقتضى العبودية والتوحيد؛ لأن التشريع حق لله وحده؛ كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} ١، أي: هو الحكم وله الحكم، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ٢، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ٣.

فالتحاكم إلى شرع الله ليس لطلب العدل فقط، وإنما هو في الدرجة الأولى تعبُّد لله، وحق لله وحده، وعقيدة، فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية؛ فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه؛ قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه} ٤، وقال تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ


١ سورة الأعراف، الآية: ٥٤.
٢ سورة الشورى، الآية: ١٠.
٣ سورة النساء، الآية: ٥٩.
٤ سورة الشورى، الآية: ٢١.

<<  <   >  >>