للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر كسبي للمصدق اختيار فيه، ولهذا يؤمر به ويثاب عليه أما المعرفة فقد تحصل بلا كسب، وإذاً فالمعرفة أعم من التصديق، فكل من صدق فقد عرف، وليس كل من عرف مصدقاً. وفي هذا يقول التفتازاني في شرح المقاصد مفرِّقاً بين الأمرين:

" ... فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب، وضد المعرفة النكارة والجهالة، وإليه أشار الإمام الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار، بخلاف العلم والمعرفة، وفصَّل بعضهم زيادة تفصيل فقال: التصديق عبارة عن ربط القلب على ما عُلم من إخبار المخبِر، وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدِّق، ولهذا يؤمَر به ويثاب عليه، بل يُجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر " ١.

فإذاً الأشاعرة يدَّعون أن الإيمان الشرعي هو بعينه الإيمان اللغوي، ومن ضمن أدلتهم على أن الإيمان الشرعي هو الإيمان اللغوي وهو الصديق، أن الإيمان مُبقَى على أصله اللغوي لم ينقل إلى معنى شرعي آخر. وبيانه فيما قاله الباقلاني، حيث قال: " فإن قال قائل: خبِّرونا ما الإيمان عندكم؟ قلنا: الإيمان هو التصديق بالله تعالى، وهو العلم، والتصديق يوجد بالقلب، فإن قال: وما الدليل على ما قلتم؟ قيل له: إجماع أهل اللغة قاطبة على أن الإيمان في اللغة قبل نزول القرآن، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو التصديق، لا يعرفون في لغتهم إيماناً غير ذلك ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} ٢ أي ما أنت بمصدق لنا، ومنه قولهم: فلان يؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، أي لا يصدق بذلك. فوجب أن يكون الإيمان في الشريعة هو


١ التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد، ج٢ ص٢٥١، ط مطبعة الحاج محرم أفندي، بدون تاريخ.
٢ يوسف: ١٧.

<<  <   >  >>