عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا هذا الحيّ من ربيعة، بيننا وبينك كفار مضر، فلا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمُرْنا بأمر نعمل به، وندعوا إليه من رواءنا، قال:" آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله، ثم فسرها لهم فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن أربع ... " ١.
ووجه الاستدلال بهذين الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الإسلام والإيمان في حديث جبريل، فجعل الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الاعتقاد الباطن وهذا يدل على اختلافهما من حيث الحقيقة الشرعية، ودفعاً لِتوهّم التباين بينهما فقد فسر الإيمان في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام في حديث جبريل لنكون على علم بالتلازم في الوجود، مع افتراق الاسم وقد تقدَّم تشبيههما بالشهادتين.
ودفعاً لِتوهّم التعارض بين الحديثين، فقد جمع السلف بينهما ـ على أن الإيمان والإسلام إذا ذُكرا مجتمعَين، كما في حديث جبريل، فإنه يراد من كل منهما غير ما يراد من الآخر، فيراد من الإيمان ما في القلب،من الإيمان بالله وملائكته ... إلى آخر ما ذُكر في الحديث. ويراد بالإسلام الشهادتان بتوابعهما من الأعمال الظاهرة. وإذا ذُكر أحدهما مجرداً عن الآخر دخل الآخر فيه، كما في حديث وفد عبد القيس.
قال أبو عمرو بن الصلاح في كلامه على حديث جبريل: قوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ". قال: هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن،